الثقة بالنفس هي قضية تطرح نفسها مرارا وتكرارا في كل المواقف في حياتنا؛ من علاقات شخصية و أمور دراسية و مهنية و في مقابلات العمل و ما إلى ذلك. لذا فإنه فلا مفر منها ومن الضروري تنميتها أو اكتسباها. تصور معي شخصا ما استدعي لإجراء مقابلة عمل، و كان ضعيف الثقة في نفسه، فكيف يمكن لرب العمل الوثوق في قدراته و تأمينه على الوظيفة وهو أساسا يفتقد للثقة في نفسه؟ هذا يقودنا للبحث عن حل و لطرح الأسئلة: لماذا يفتقد بعض الناس إلى الثقة بالنفس؟ و كيف يمكنهم اكتسابها؟ و هذا ما ستتم الإجابة عنه في هذه المقالة المفصلة، قراءة ممتعة.
طرق قوية لاكتساب و تنمية الثقة بالنفس
قبل التطرق إلى كيفية اكتساب الثقة في النفس، من الضروري معرفة ما هي.
ما هي الثقة بالنفس؟
“كلما شعرت بشكل أفضل تجاه نفسك، كلما قل شعورك بالحاجة إلى التباهي.” -روبرت هاند-
-
ثقة في النفس أم غطرسة؟
أحد الاختلافات الرئيسية بين الغطرسة والثقة بالنفس هو أن الغطرسة غالباً ما تضخم من قدرات المرء. ففي الوقت الذي يمكن للواثق من نفسه أن يقدم الأسباب التي يظن أنها ستمكنه من إنجاز شيء ما، فإن الشخص المتغطرس يعتقد غالبا أنه قادر على تحقيق ذلك بل و أكثر مما هو عليه في الواقع.
الغطرسة هي شعور زائف بالثقة.
الثقة بالنفس لا تعني أن الشخص لا يمكن أن يكون متواضعا، أو أن عليه البرهنة على قيمه الذاتية لكل من حوله. بل تعني أنه يمكن للشخص أن ينظر إلى وظيفة أو وضع أو تحد ما بنظرة تقيم قدرته على النجاح بدقة. كما تعني أيضا أن بإمكانه إخراج نفسه من منطقة الراحة لتحقيق أهدافه.
لا تعني الثقة بالنفس التقليل من شأن الآخرين من أجل الشعور بالقوة أكثر. ولا تعني إخبار الجميع أن لديك قدرات رائعة. فالشخص الواثق من نفسه يعبر عن إمكاناته فقط عند الضرورة، كما هو الحال في مقابلة عمل أو في تحد ما.
-
التغلب على الخوف:
لا يخشى الواثق من نفسه الفشل أو النقد أو الرفض، ويتميز بالقدرة على التغلب على مخاوفه، والتي تعتبر جزء طبيعيا من حياتنا، ليتمكن من تحقيق النجاح. ولا يعتمد على أفكار ومشاعر الآخرين لتقييم ذاته، ويسخر النقد والفشل لمساعدته على التحسين من قدراته لا لتحديده كفرد.
فكن واثقا بأنك تستطيع النجاح في مواجهة الصعاب والتحديات.
-
الفشل لا يعني النهاية:
ما دمت تتنفس، فتأكد أنه لا مفر من الفشل، وخاصة بالنسبة لشخص يسعى جاهدا لتحسين نفسه(ها). لذا إن تعرضت للفشل فلا تستسلم، بل تعلم منه ومن أخطائك و استمر في المحاولة فحتما ستنال ما تريد.
تدني تقدير الذات:
“يبالغ كثير من الناس بتقدير ما لا يوجد فيهم و يستخفون بما هم عليه”. – مالكولم فوربس-
تدني احترام الذات والنقد الذاتي المفرط يمكن أن يكون غير صحي. تقول إليزابيث فينزين: “…تدني احترام الذات…قد يسبب مشاكل في الصحة العقلية كالقلق والاكتئاب، أحيانا مع نتائج مأساوية “. فما السبب وراء تدني احترام و تقدير الذات؟
هناك أسباب عديدة قد تكون ذات مصادر خارجية أو داخلية:
-
السلطة السالبة:
أحيانا قد يكون السبب هو سلبية الآباء المفرطة. فعندما يكون الوالدان أكثر قسوة أو سلبية، أو غير موجودين، يمكن للطفل أن يعتقد بأنه غير جيد بما فيه الكفاية أو أنه لن يرقى إلى مستوى التوقعات. كما أن السبب قد يكون عدم إعداد الأطفال للفشل. من المهم تعليمهم أنه لا بأس بالفشل وما يجب فعله عند ذلك.
-
التسلط أو العلاقات السامة:
قد يكون السبب نابع من الطريقة التي يعاملنا بها الآخرون. إن إخبارنا مرارا وتكرارا بأننا قليلي القيمة، أو أن أفضل جهودنا ليست جيدة بما فيه الكفاية، يمكن أن يؤدي إلى الشعور بقيمة منخفضة.
يمكن أن يكون الشعور بالذنب قوة داخلية كبيرة تؤدي إلى صورة ذاتية سلبية. عندما نقوم بشيء ما في حياتنا لا نفخر به، فإنه يمكن أن يفسد تقييمنا الذاتي. يمكن أن يكون الشعور بالذنب عقبة كبيرة يجب التغلب عليها عند محاولة تعزيز الثقة بالنفس.
-
المقارنة:
قال تيودور روزفلت ذات مرة: “المقارنة هي لص الفرح”. قد تكون لمقارنة أنفسنا بالآخرين فائدة أحيانا، إلا أنه غالبا ما يجعلنا نرى أنفسنا بشكل سيء. تختلف المقارنة والمنافسة مع الآخرين، مقارنة أنفسنا باستمرار مع الآخرين والشعور بأننا قد أخطأنا ليس طريقة جيدة لتحسين الثقة بالنفس، في حين أن المنافسة قد تكون ذات آثار جيدة.
طرق تنمية الثقة بالنفس:
بما أن ضعف الثقة بالنفس يمكن أن يجعلنا نفقد فرص عمل أو علاقات أو أحلام ما، فما الذي يمكننا القيام به لتعزيز الثقة بالنفس؟
فيما يلي بعض الاقتراحات البسيطة و بعض التمارين لبناء الثقة بالنفس:
لتحافظ على صورة جيدة عن نفسك، اكتب الأشياء التي تحبها عن نفسك و مجاملات الآخرين في مجلة المجاملة. وقم بمراجعتها حين عندما تحس بضعف الثقة بالنفس.
-
عش حياة صحية:
النظافة الجيدة، ارتداء الملابس بشكل مناسب، تناول الطعام بشكل جيد وممارسة التمارين كلها أمور يمكن أن تساعد في تحسين الثقة بالنفس. ممارسة الرياضة وإتباع نظام غذائي سليم سيعززان الهرمونات الصحية ويعطيانك شعورا أفضل بقيمتك.
-
تحدى النقد الذاتي:
النقد الذاتي أمر جيد، لكن المبالغة فيه يؤثر سلبا على حياتك. عندما يخبرك صوتك الداخلي بأنك عاجز أو من المحتم أن تفشل، استجب بعبارات مثل “أستطيع أن أفعل ذلك” أو “أنا قادر على إنجاز هذه المهمة”. يمكنك أن تسأل نفسك أسئلة مثل: “لماذا أعتقد أنني سأفشل؟” هل المخاوف صحيحة أم أنها ملفقة بسبب الإحساس المتدني بالقدرة؟
-
الاستفادة من الفشل:
قال ونستون تشرشل ذات مرة بما مفهومه: النجاح ليس نهاية، والفشل ليس قاتلا: الأمر يتعلق بالشجاعة للمواصلة.
-
لا تأخذ الأمور على محمل الجد أكثر من اللازم:
أحيانا ما يجعل الأشخاص يحسون بضعف الثقة بالنفس هو أخذهم للحياة على محمل الجد بشكل مفرط. يجب أن تكون قادرا على الضحك في الحياة وحتى على أخطائك وإخفاقاتك. لا يجب أن تسحبنا مضايقات أو انتقادات شخص آخر إلى الأسفل، إن قيمنا الذاتية لا تتحدد في لحظة واحدة من الحرج.
-
ساعد الآخرين:
تقول الطبيبة إميلي روبرتس: “لمساعدة الآخرين أثر عميق على كيمياء الدماغ، وتشجيع السعادة وإعادة تنظيمك تجاه هدفك، حتى في وجه الألم”.
-
التسامح مع الذات ومع الآخرين:
إن الاستمرار في ضغينة تجاه الآخرين لا يجلب سوى الغضب. عندما تغفر للآخرين، فإنك تعيد الطاقة إلى يديك. لقد اخترت أن تسامحهم وأن تواصل حياتك.
عندما تكون قادرا على مسامحة الآخرين، يمكنك أيضا أن تغفر لنفسك الأشياء التي قد تشعر بالذنب تجاهها. في حين أننا يجب أن نفعل ما بوسعنا للتكفير عن أخطاء الماضي، فإن العيش في ذنب مستمر سوف يمنعنا من تحسين الثقة بالنفس، وفي نهاية المطاف يمنعنا من تحقيق أهدافنا.
التطبيق العملي للثقة بالنفس:
كيف تكون واثقا من نفسك أثناء العمل:
بمجرد حصولك على وظيفة ما، حاول الاستمرار في تعزيز ثقتك بنفسك، لأنها تساهم في رفع الأجور و الحصول على الترقيات.
-
خض تحديات جديدة:
من السهل البقاء في منطقة الراحة والحفاظ على نفس المستوى من العمل، لكن إن كنت تطمح للنجاح فعليك الخوض في تحديات جديدة. اطلب إدراجك في مشاريع جديدة أو اطلب من مديرك مهاما جديدة. عندما تنجح في مواجهة تحديات جديدة، ستزداد ثقتك بنفسك.
-
جعل النقد تحديا شخصيا:
بدلا من السماح للنقد بالتقليل من شأنك، استخدمه عكس ذلك. إذا أخبرك رئيسك في العمل بأن عملك ينقصه شيء ما، فابذل جهدا أكبر لإثبات قدرتك على النجاح. حتى لو كان ذلك يعني إجراء أبحاث إضافية أو قضاء وقت خارج نطاق العمل لتحسين مهاراتك.
-
ابحث عن زملاء عمل محفزين:
إذا كان زملائك في العمل مفرطًين في النقد الهدام، فعليك أن تنجذب نحو من يبنونك. لا أحد يريد أن يقال عنه باستمرار أنه غير مناسب. إذا كان من المستحيل العثور على زملاء محفزين، فابحث عن صداقات وعلاقات مع أشخاص أكثر تشجيعا.
-
اخلق أهدافا لنفسك:
من المهم في وظيفتك ألا تفكر فقط في ما يمكنك إضافته لشركتك، بل فكر أيضا في الأهداف المهنية الشخصية. إذا كان هدفك هو أن تكون أفضل بائع في شركتك، فعليك تصور ما يجب فعله لتحقيق ذلك. اسأل نفسك عن الخطوات التي يجب اتخاذها من أجل تحسين وظيفتك أو الحصول على ترقية، وأخبر نفسك أنك قادر على تحقيق مبتغاك.
خلاصة:
الثقة بالنفس قد لا تكون فطرية لكنا بالتأكيد مكتسبة و بإمكان أي شخص تنميتها. ورغم أن بعض الأشياء خارجة عن أيدينا كأخطاء الماضي أو الطفولة الصعبة، إلا أن الثقة بالنفس ما زالت ممكنة.
يقول Sidney J. Harris:
من المفاجئ أن العديد من الأشخاص يمرون بالحياة دون أن يدركوا أن مشاعرهم تجاه الآخرين تحدد إلى حد كبير مشاعرهم تجاه أنفسهم، فإذا لم تكن راضيا في نفسك، فلن تكون مرتاحا مع الآخرين.